حالة الطقس      أسواق عالمية

Summarize this content to 2000 words in 6 paragraphs in Arabic

«البرزخ»… بري يكشف وعلي حسن خليل يروي (1 – 2)

تنشر «الشرق الأوسط» اليوم وغداً مقتطفات من كتاب «البرزخ – أيامٌ لوطنٍ لم يأتِ بعد»، الذي يكشف فيه رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، على لسان النائب علي حسن خليل، جانباً من أبرز التطورات التي شهدها لبنان بين عامي 2006 و2008. يقول بري في مقدمة «البرزخ» (الصادر عن دار الكتاب العربي): «هذا الكتاب لا يشكل وجهة نظر كما قد يظن البعض، بل هو عصارة سرد تفصيلي لوقائع حصلت بالفعل والراوي الأخ علي حسن خليل من خلال مسؤولياته القيادية في حركة أمل وموقعه ومواكبته السياسية دوَّن كل شاردة وواردة وسجَّل كل تفصيل مهما كان صغيراً خلال محطات مفصلية من مرحلة صعبة من تاريخ لبنان، وكان في توثيقه للأحداث أميناً على كتابة كل شيء حرفياً، حريصاً على أن يصل بدقائقه إلى الرأي العام اللبناني حتى ولو أزعج البعض، ومنهم أصدقاء». تتضمن حلقة اليوم تفاصيل عن توترات شهدتها بيروت عام 2007 وهددت بشرخ طائفي. وجاءت تلك الأحداث على خلفية قانون المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة المتهمين باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2004.

لم تتوقف الأكثرية عن الدعوة المتكررة لعقد جلسة برلمانية من أجل إقرار المحكمة الدولية (الخاصة بمحاكمة المتهمين باغتيال الحريري عام 2004)، الأمر الذي دفع الرئيس (بري) إلى إصدار بيانٍ أكد فيه أن المجلس في حالة عدم انعقاد مع انتهاء الدورة العادية وعدم صدور مرسوم فتح دورة استثنائية، وأنّ أي مشروع قانون بشأن المحكمة الدولية لم يصل إلى المجلس النيابي، مؤكداً مرة جديدة عدم ميثاقية ودستورية كل الإجراءات التي حصلت قبل ذلك.
وبينما كانت البلاد على فوهة مواعيد مضطربة، وزعت الأمانة العامة لمجلس الوزراء جدول أعمال جلسة جديدة للحكومة يوم الجمعة التالي، من دون الالتفات إلى تحرّك المعارضة أو إلى رسالة رئيس الجمهورية (إميل لحود) الرافضة لعقد الجلسة الجديدة ولمقررات الجلسة السابقة يوم الخميس الأخير، واعتبار الرئيس لحود القرارات التي اتُّخذت فيها باطلة بطلاناً مطلقاً وكأنّها لم تكن، لصدورها عن هيئة فقدت مقوّمات السلطة الدستورية وفقدت الأهلية لممارسة السلطة الإجرائية.
وبموازاة ذلك، وزّعت الأمانة العامة لمجلس النواب عريضة المعارضة التي تدعو إلى عقد جلسة خاصة للمجلس لمناقشة «خرق» فؤاد السنيورة وأعضاء حكومته الدستور وإحالتهم إلى المحاكمة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، والتي كان الرئيس بري قد رفض أن يوقّعها أي من أعضاء كتلة التنمية والتحرير.
استباق التوتر
إنه صباح العاشر من يناير (كانون الثاني)، ومع متابعتنا حركة الاعتصام أمام وزارة الطاقة، وصلتنا أنباء عن محاولة من المعتصمين لدخول الوزارة، وظهور بوادر مشكلات مع قوى الأمن. عندها أصرّ الرئيس (بري) على العمل بحزم لضبط الوضع بأي شكل وإنهاء الاعتصام، استباقاً لانقلاب الرأي العام المتوتّر أصلاً، والخائف من حصول صدام، لا سيما مع الأجهزة الأمنية.
بري مجتمعاً مع خوجة (كتاب الرزخ)
كان التصعيد السياسي سمة المرحلة، مع حديث متزايد عن نيّة قوى «14 آذار» عقد جلسة برلمانية برئاسة فريد مكاري مجدّداً، وقد ردّ على هذا الخيار النائب محمد رعد «حزب الله»، مؤكداً أنه يشكّل انزلاقاً شيطانياً من شأنه أن يعيد الأمور إلى أسوأ مما كانت عليه قبل اتفاق الطائف، وكان هذا موضع تقويم بأنّه انقلاب، وفيه تحذير من العودة إلى الحرب الأهلية من قِبل قوى «14 آذار».
وفي لقائه مع الرئيس بري، ميّز النائب تمام سلام نفسه عن فريق الموالاة، مؤكداً مرجعية رئيس البرلمان ورهانه عليه لفتح كوّة في الجدار والعودة إلى أجواء الحوار.
وفي زيارة أخرى، استقبل الرئيس بري السفير المصري حسين ضرار الذي نقل أجواء لقائه نواب تكتل التغيير والإصلاح في منزل النائب غسان مخيبر، حيث طُرح هناك اقتراح يقضي بانتخاب رئيس انتقالي للجمهورية لمدّة سنتين كحلّ مرحلي.
رأى الرئيس مبالغة في تقويم جديّة هذا الطرح من قِبل السفير الذي كان يحاول لعب دورٍ سياسي استثنائي.
ومع استمرار النبرة التصعيدية في خطاب «14 آذار» واستعدادات المعارضة للخطوات اللاحقة، وخلال اتصال به بالخط الداخلي، أرسل السيد حسن (نصر الله، أمين عام حزب الله) اقتراحه بأن يكون موعد التحرك في 20 أو 21 الشهر الجاري.
بينما كان الرئيس يصدر مواقف جديدة خلال لقائه وفداً طلابياً مصرياً، ولقاء آخر جمعه بالتجمّع النسائي لقوى المعارضة، قال فيه: «إنّهم يسألون لماذا ما زلتُ صابراً، والحقيقة أنّ القضية هي قضية مصير وطن ومسؤوليتي أن أتحمّل، رغم علمي بأنّهم سيوصلون البلد بموقفهم إلى ما لا تُحمد عقباه».
بري مجتمعاً مع متقي (كتاب الرزخ)
وفي حين كان ذلك يحدث، جرت اتصالات بين الحاج حسين الخليل والسفير السعودي، وقد أبلغني الخليل أنّها لم تقدّم جديداً، وأنّه يكرّر الكلام حول ضرورة الانفتاح واللقاء مع السنيورة.
وكان الرئيس بري قد تحدث، مشيراً إلى سكوت الأكثرية النيابية عن موضوع الدول العشر التي رفضت التعاون مع لجنة التحقيق الدولية، وهذا ما كان قد أثاره السفير الروسي في مجلس الأمن. فردّ النائب سعد الحريري بأنّ على الرئيس بري أن يسأل نفسه قبل أن يسأل الأكثرية عن سرّ السكوت، عن تعطيل الجلسة النيابية لإقرار المحكمة الدولية.
وعلى لسان النائب علي بزي، رد الرئيس بري بأنه لم تكن هناك جلسة نيابية ليتم تعطيلها، فأي مشروع قانون حول المحكمة الدولية لم يصل المجلس، فضلاً عن عدم وجود حكومة كي تُقرّ مثل هذا المشروع، مضيفاً أن على الحريري أن يرشدنا – وهو العليم والخبير القانوني الشهير – لماذا يقود تدمير المؤسسات من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة؟ إلا إذا كان الهدف من السؤال أسفه لعصمة المجلس النيابي ومنعته واستعصائه عن التدمير.
الحريري في حوار مع النواب في البرلمان (كتاب الرزخ)
ومع استمرار حركة الاعتصام للمعارضة السبت أمام قصر العدل، عقد الرئيس بري لقاء مع السفير السعودي عبد العزيز خوجة بحضوري والحاج حسين الخليل، والذي تحدث مجدداً عن حرصه على الوصول إلى تفاهم وأنّ هناك أجواء لقاءات إيرانية – سعودية في الرياض، ونقل ورقة للحل لا تختلف كثيراً عن ورقة التشاور وورقة عمرو موسى لكنّها كانت بحاجة إلى المزيد من الإيضاح، حيث ورد فيها أنّ الحكومة المزمع تأليفها تتشكل من 19 للموالاة و10 للمعارضة ووزير تسمّيه المعارضة. (…)
حمَّل الرئيس بري الحاج حسين الخليل رسالة إلى السيد نصر الله، يكرر فيها ضرورة الانتباه إلى الوقوع في الفتنة جرَّاء أي اقتراح للتصعيد، مع اعتقاده أنّ «14 آذار» لن ينصاعوا للتحرّكات السلمية المحدودة التي نقوم بها، وأنّه لا مشكلة بخصوص المواعيد المقترحة لتصعيد التحرّك.
(…)
جاء السفير السعودي ليضع الرئيس بري، بحسب قوله في أجواء ما حصل خلال زيارة علي لاريجاني للمملكة، ويبلغه بحصول اتفاق على اقتراح خمسة أسماء حياديين مرّة واحدة ليختار السنيورة واحداً من بينهم، وأن تكون المشاركة في الحكومة من المعارضة النيابية، أي: «أمل» و«حزب الله» و«كتلة عون»، وأن يُشكَّل فريقٌ لدراسة قرار المحكمة الدولية وفق الاقتراح السابق، مشيراً إلى أن لاريجاني والأمير بندر بن سلطان سيحضران إلى لبنان بطلب من الملك عبد الله وموافقة إيران لمتابعة هذا الأمر.
(…) صيغت مسودة مشروع الاتفاق على الشكل التالي:
1 – يشكَّل فريق عمل لدراسة بنود المحكمة ذات الطابع الدولي ويحدَّد وقت معين لإنهاء عمله.
2 – يبدأ البحث في توسيع الحكومة القائمة ليصبح عدد وزرائها ثلاثين وزيراً (بصيغة 19 + 10 + 1)، تتألّف من ممثلي الأكثرية القائمة و«حزب الله» و«حركة أمل» و«التيار الوطني الحر»، ويجري الاتفاق على آلية بخصوص الوزير الحادي عشر.
3 – يوقَّع ما يجرى الاتفاق عليه من قبل الفريقين، مع التزام سياسي وأخلاقي به لا يمكن نقضه من قِبل أي منهما.
4 – يُدعى إلى دورة استثنائية لجلسة مجلس النواب لإعلان هذا الاتفاق.
5 – ما يُتّفق عليه بخصوص مسوَّدة المحكمة الدولية يمرّ بعد ذلك عبر القنوات الدستورية. فيُقرّ في حكومة الوحدة الوطنية ويُرفع القرار إلى رئيس الجمهورية، ثم يُعاد في اليوم نفسه بالموافقة، ويُرفع بعد ذلك إلى مجلس النواب للتصديق عليه، ثم يُرسل إلى الأمم المتحدة.
6 – مهمة هذه الحكومة أيضاً متابعة الإشراف على «باريس 3»، والاتفاق على قانون انتخاب نيابي جديد، ثم انتخاب رئيس الجمهورية في موعده. أما بالنسبة إلى الانتخابات البرلمانية فتكون في موعدها عام 2009.
وإلى جانب هذه المعطيات، سُجّلت ملاحظة مهمة تمثلت بموافقة لاريجاني مع السعوديين على تسمية الأسماء الخمسة مرّة واحدة، يختار الرئيس السنيورة واحداً منهم، على أن يكونوا من المعارضة النيابية المحصورة في «أمل»، «حزب الله» وعون.
انزعاج وتحرك
وعلى انزعاجٍ واضح، طلب الرئيس مني الاتصال فوراً بالحزب وبالسفير الإيراني مجدّداً للاستفسار عن الموضوع.
لم تغير هذه الأجواء المريبة في مسار الاستعدادات للتحرّك الواسع الذي بدأنا الإعداد له ليلاً في اجتماع بيني وبين كل من أحمد بعلبكي والحاج حسين الخليل ومسؤول الحزب في بيروت، حيث اتفقنا فيه على تحرّك شامل، وجرى اختيار أماكن الاعتصام والحواجز حيث يوجد عمق بشري مؤيّد، مع تأكيد استمراره لأكثر من يوم، والتشديد على عدم النزول المسلّح أو السماح بالاحتكاك مع القوى العسكرية والأمنية أو مع تجمّعات للموالاة، إضافة إلى تأمين القدرة على السيطرة والتحكم. وأكدنا أنّه عند قرار إقفال أي شارع أو نقطة، فمن غير المسموح التراجع عن أي مواقع يتم إقفالها بما فيها المطار، وضبط حماية المؤسسات العامة والخاصة والتركيز على شمول التحرك كل لبنان، وإبلاغ قيادة الجيش بالأمر ليلة التحرك وإخطار قوى الأمن الداخلي، وخصوصاً فرع المعلومات بضرورة التنبه للشارع.
بري مستقبلاً جنبلاط في أحد لقاءاتهما (كتاب الرزخ)
ومع اختباره التجارب السابقة، أبدى الرئيس حرصه مجدداً على ألَّا نكرّر التحركات غير المجدية، وأن نناقش تفاصيل الخطّة لتكون ذات فاعلية، وهذا ما راعيناه في اللقاء مع التأكيد على الابتعاد عن التخريب والإشكالات الأمنية. وبينما كنا لا نزال في الشارع حيث أجرينا اللقاء، تلقيتُ اتصالاً من الحاج حسين الخليل ليتحدث عن طارئ جديد، وفيه أن السيد حسن اتصل بعد خروجنا وقال: «لماذا تحمّلون أنفسكم كل هذا العبء؟ يمكننا أن نقوم بمناورة، بتحرّك تحذيري ليوم واحد، ونرى بعدها ماذا سيحصل».
لم أفهم ما الذي حصل، وقلتُ للحاج حسين: «هذا أمر جديد كلياً، نحن لم نكن متحمّسين للخطوات على الأرض، لكن إذا أردناها فلتكن مجدية، أنا أخاف أن يجري استيعاب الأمر سريعاً إذا كان كما قلت، لكن في كل الأحوال نناقش الأمر ونتواصل لاحقاً».
كما أبلغني الحاج بأن السيد نصر الله سيلتقي جبران باسيل، على أن نتحدث بعد ذلك.
رسائل متسارعة
وفي صباح يوم الأربعاء، وكان السابع عشر من يناير، كنت في عين التينة، وهناك كان الرئيس متفاجئاً يتساءل حول السر المخفي والتطور غير المعلن الذي قلب الأمور. وبشيءٍ من الغضب قال: «أنا لا أحتمل هذا، إما أن نكون في كل الأجواء الحقيقية وإلّا فلن ندخل في هذا الموضوع كلياً».

وب
بري ونصرالله في دردشة أثناء الحوار الوطني قبل حرب 2006 (كتاب الرزخ)
عدها طلب مني أن أرتّب اتصالاً مع الجنرال عون لاستكشاف مدى علمه بالتطورات. اتصلتُ بجبران باسيل، الذي نقل السماعة إلى عون، جسَّ الرئيس بري النبض وسأله عن أمر مختلف يتعلق بالسفير الفرنسي ليرصد ردّ فعله، وما إذا كان في أجواء جديدة، لكنه لم يلحظ شيئاً. قدَّر الرئيس بعد الاتصال أنَّه ربما لم يكن في أجواء ما يحصل، وشعر بأنه ربما طرأ تطوّر حقيقي على المسار السعودي – الإيراني، وربما كان هناك تهديد لإيران إذا ما استمرت المعارضة في التصعيد.
وطلب مني مجدداً أن أتصل بالحاج حسين الخليل الذي اتفقتُ معه على اللقاء عند السفير الإيراني، بعدما ذهبتُ إلى كلية العلوم لافتتاح معرض طلابي وإلقاء كلمة.
بدأ السفير الإيراني بالتعبير عن راحته بعدما سمع بالاستعداد للتصعيد، وقبل إكمال حديثه اتصل السيد نصر الله بالحاج حسين الخليل، وتحدّث أيضاً مع السفير الإيراني لدقائق باللغة الفارسية، قبل أن يتحدث إلي، ويحملني رسالة إلى الرئيس بري، فيها أنه (السيد) التقى بالأمس بمَن يتواصل مع السيد لاريجاني، الذي نقل أنّ اللقاء بينه وبين الملك السعودي كان فيه كلام عام من دون الدخول في التفاصيل، وأنّ الملك قال إنّ ما يهمه هو اتفاق اللبنانيين بين بعضهم بعضاً، لكنّ اللقاء المطوّل والمهم كان مع الأمير بندر بن سلطان، الذي أصرّ على تشكيل وفد يجمعه بلاريجاني لزيارة لبنان.
رئيس البرلمان نبيه بري (كتاب الرزخ)
ووفقاً لكلام السيد نصر الله فقد كان لاريجاني منفتحاً لكنّه لم يلتزم بشيء قبل أن يشاورنا، بل أبلغهم بالحاجة لدراسة الأمر وأبقى خط الرجعة مفتوحاً.
(…) أبقى لاريجاني الخط مفتوحاً من دون إعطاء أي جواب، وفق كلام السيد الذي أضاف أن لاريجاني ليس في صورة الانتخابات النيابية اللبنانية، ولم يجرِ البحث التفصيلي فيها.
تحرك تحذيريبعد إتمام السيد كلامه معي، لم أعلّق كثيراً، لكني سألته عن التحرك، فقال إن فكرته منذ البداية كانت أن نقوم بتحرّك تحذيري واسع ليوم واحد. فأطلعته على أن الشباب كانوا في جوّ مختلف بالأمس، ولم يطرحوا هذه الفكرة. فأرجع ذلك إلى خلل في التنسيق ربما يكون قد حصل، لكن أكد أن الحديث مع باقي المعارضة كان عن تحرّك ليوم واحد، وأن هناك خوفاً من مستوى التجاوب، لأنّ الناس يحتاجون الذهاب إلى أعمالهم، ولا يمكن تحميلهم الكثير. لكنه أضاف أننا في الأحوال كلها يمكننا أن نجمع، وأن نعلن يوم الثلاثاء المقبل يوم إضراب ونقطع الطرقات ونبقى في الشارع في الأيام الثلاثة اللاحقة (23 – 24 – 25 من يناير).
من جهتي، أجبته بأن الرئيس بري يهمه مسألتان كما قال لي: أن نقوم بخطوة مدروسة توصل إلى نتيجة، وألَّا تصل الأمور إلى حدود الصدام المسلّح والفوضى الأمنية. لذا فلا صيغة محدّدة لديه، لكنّ سؤاله كان عن التبدّل السريع في النقاش.
بري متوسطاً السنيورة (يمين) وخليل في جولة بالضاحية الجنوبية بعد حرب 2006 (كتاب الرزخ)
(…) ثم طرح السيد نصر الله اقتراحه، الذي يتمثل بالنقاط التالية:
– أن نبلغ الإيرانيين الآن أنّه من الخطأ أن تُقدِم إيران على أي مشروع من دون التنسيق مع سوريا، لأنّ هذا سيُدخلنا في مشكلة، وأنّ الخطر هو التفاهم مع الحريري ووليد جنبلاط وخسارة سوريا.
– خطر السير في المحكمة بالشكل الذي يريدون وبأي ثمن.
– أن نكمل التحرّك خلف مطلب الانتخابات النيابية المبكرة، الذي سنرميه في وجه الموالاة.
– أن نطلب من لاريجاني المجيء إلى سوريا للتحدّث معهم حول المشروع، وأن ندفع الإيرانيين إلى العمل وفق فكرة الرئيس بري التي طرحها سابقاً، بأنّ الحلّ يكون بتأجيل إقرار المحكمة حتى الانتهاء من التحقيق، وبهذا نأخذ وقتنا، وفي الوقت نفسه يبقى المسعى قائماً.
خرجتُ من السفارة مباشرة إلى عين التينة، وهناك كان الرئيس مجتمعاً مع ميشال المر، فوضعتُه في الأجواء بصورة عامة. وهو أبدى إصراره مجدّداً على سلمية التحرّك مهما كان شاملاً، وهو ما عكسه المر أيضاً في تصريحه بعد اللقاء.
(…) طلب مني الرئيس بري أن أُبلغ السفير الإيراني أنه لا مصلحة بزيارة لاريجاني والأمير بندر من دون تنسيق مع الجانب السوري، حيث سيخسرون حليفاً من دون أن يربحوا الآخر. أما إذا تمّ الأمر بالتنسيق مع السوريين، فهو أكثر من جيد، حيث إنّها المرة الأولى التي يدخلون فيها لبنان من باب سياسي واسع عبر تكريس التعاون مع السعوديين. وفي الوقت نفسه يقدمون خدمة إلى لبنان وسوريا من باب المحكمة الدولية، وحلّ مشكلتها ربما من خلال السير في محكمة عربية أو إسلامية أو أي أمر آخر نبتكره.
بري مستمعاً إلى وشوشة من خليل (كتاب الرزخ)
وطلب الرئيس أن نتابع البحث مع الحزب والتيار، على أن يحدّد موقفه بعد الاجتماع المشترك للهيئات الحركية عند السادسة من مساء اليوم نفسه.
انتقلتُ أنا وأحمد بعلبكي للغداء مع جبران باسيل قرب مجلس النواب. لم يكن جبران حاسماً في خيار تصعيد الشارع الذي يحتاج في رأيه إلى استعداد كبير على المستوى السياسي والإعلامي، وأعاد طرح ما كنّا قد اتفقنا عليه سابقاً لجهة إقدام الرئيس لحود على خطوة اعتبار الحكومة مستقيلة، وأشار إلى أنّ هناك خللاً في التنسيق مع «حزب الله»، معبراً عن امتعاضه من طريقة تعاطي الحاج حسين الخليل معه، وأوضح أنّهم أُحرجوا جداً عندما أصدروا بياناً ضدّ «باريس 3»، ليفاجأوا في اليوم التالي أنّ السيد حسن والحزب أصدروا بياناً يفصلون فيه بين «باريس 3» والإصلاحات، واقترح أن يتوقّف تحرّك الاتحاد العمالي وأن يبدأ الحلّ من عند الرئيس لحود، وسأل عن إمكانية أن يزوره الرئيس بري لهذه الغاية.
وعند طرح هذه الفكرة الأخيرة، كنت حاسماً وسريعاً في رفضها.
نصر الله وعلي حسن خليل في أحد لقاءاتهما (كتاب الرزخ)
وأعاد باسيل التذكير بخطأ التراجع عن احتلال السراي الحكومية، وكرّرتُ له قناعتنا بالموقف الذي اتّخذناه حينها.
ومساءً، عند السادسة بالتحديد، ترأّس الرئيس بري اجتماعاً مشتركاً للهيئات القيادية الحركية، شرح فيه مخاطر المرحلة وأبدى اعتقاده بأنّنا مقبلون على ظروف سيئة يجب ألاّ تُبعدنا عن ثوابت الخطاب الحركي بالصلابة في الدفاع عن حقوقنا ومكتسباتنا وعدم التراجع، وفي الوقت نفسه أبدى الحرص على السلم الأهلي وإبقاء الأبواب مفتوحة مع الجميع رغم قناعته بأنّ الحريري قد برهن على أنّ قراره مرهون للخارج، والمفاوضة على المحكمة ليست للوصول إلى الحقيقة، بل للضغط من أجل تحقيق مكاسب والتأثير على سوريا، وأنّ المقصود إبقاؤها سيفاً مسلطاً للاستخدام في أي لحظة مستقبلية، وأشار في العموم إلى الخطوة التي تُدرس حول تصعيد التحرّك من دون الدخول في التفاصيل.
تحرك مبتور
بعد الاجتماع طلب الرئيس تدوين الملاحظات للجواب على رسالة السيد حسن، على الشكل التالي:
– تجديد التذكير بأهمية إقدام الرئيس لحود على خطوة اعتبار الحكومة مستقيلة الآن، لأنّ الظروف الدستورية والسياسية يمكن أن تختلف لاحقاً.
– أي تحرّك ليوم واحد يكون مبتوراً ومن دون أفق، لن يؤدّي إلى تحقيق الأهداف.
– أي تحرّك يجب أن يحصل خلال انعقاد «باريس 3».
– فيما يتعلّق بالتحرك السعودي – الإيراني التشديد على التنسيق مع الجانب السوري والعمل على تحييد المحكمة.
حملت هذه الرسالة وانتقلتُ على عجلٍ إلى مكتب الحاج حسين الخليل، وهناك اتصلتُ بالسيد حسن، وأبلغتُه رسالة الرئيس. ومن جانبه علَّق على موضوع التحرك بالقول إنه من الأفضل أن ننزل إلى الشارع ونبقى فيه حتى حصول تغيير في الواقع السياسي، ومن دون إضراب عام.
ثم أضاف أن جبران زاره وتحدث معه عبر الهاتف أيضاً، معرباً عن قلقه الشديد مما سيأتي بعد النزول إلى الشارع، ومتحسراً على عدم الدخول إلى السراي في أول أيام الاعتصام، كون ذلك كان يمكن أن «يريحنا» منذ البداية. كان رد السيد أن دخول السراي كان يمكن أن يؤدي إلى الخراب أيضاً.
حسين الخليل، مساعد نصر الله، وعلي حسن خليل، مساعد بري (كتاب الرزخ)
وكان باسيل يعبر عن الحاجة إلى غطاء قانوني من خلال اعتبار الرئيس لحود الحكومة مستقيلة، وعندها ننزل نحن إلى الأرض، وهذا برأيهما يستطيع أن يحققه الرئيس بري إذا قام بزيارة لحود.
تغطية سياسيةأجابه السيد بأن ذلك لا يكفي، فالأمر يحتاج إلى تغطية سياسية. لكن باسيل لمح إلى دخول الوزارات واحتلالها، وهو ما تركه السيد للنقاش فيما بعد، متسائلاً إن كان إجراء مثل هذا يسقط الحكومة!
وعاد جبران ليقول إنّه إذا كنتم محشورين بالمشكلة مع السنة نتفهّم ونخرج معاً من الأمر، ونؤجّله إلى مرحلة لاحقة. لكن السيد أشار إليه بأنه لا يضمن أي نتيجة.
كان رأي جبران أن السيد نصر الله والرئيس بري استخدما لغة ذكية بالوقوف ضدّ الورقة الإصلاحية وليس «باريس 3»، متسائلاً: «لماذا نحن مضطرون أن ننزل قبل (باريس 3)، فنظهر أنّنا ضدّ المؤتمر وهذا ما لا نريده، وداعياً إلى القيام بالتحرّك في 26 – 27 من الشهر نفسه.
يقول السيد إنه لا يعرف ما إذا كان هذا الاقتراح من عنده أو من عند الجنرال عون، لكنّه اقترح فكرة أن ينزل كل من السيد والجنرال عون عند الرئيس بري، وأن يعقدوا جلسة سرّية جداً.
كان السيد يقترح أن يتم اللقاء في اليوم التالي إذا كان ذلك ممكناً. وأشار إلى إمكانية وصوله بأمان إلى عين التينة، وأن عون مستعد أيضاً، لافتاً إلى ضرورة التواصل معه في الخيارات الكبرى، لأنّه من الصعب أن نصل إلى نتيجة مع باسيل.
بري والحريري وبينهما خليل في البرلمان أثناء الحوار الوطني قبل حرب 2006 (كتاب الرزخ)
عند التاسعة، وصلت مباشرة إلى عين التينة. وهناك حملني الرئيس رسالة الرد للسيد نصر الله، وفيها أن التقدير للموقف مشترك بينهما، لكن إذا حصل هذا الاجتماع، الآن فسيكون معلوماً أننا خططنا للنزول واحتلال الطرقات، إضافة إلى أن الرئيس لا يقبل في كل الأحوال بالمخاطرة بحياة السيد، ويقترح أن تؤيد المعارضة إعلان الإضراب الصادر عن الاتحاد العمالي العام، في سيناريو أن يستيقظ الناس في الصباح والشوارع مقطوعة بالإطارات المشتعلة، على أن تعقد جلسة تجمع علي خليل وحسين الخليل وسليمان فرنجية عند الجنرال عون، يتفق فيها على الخطوات. وفي الرسالة أيضاً إشارة إلى خطورة تحمل المسؤولية المباشرة والعلنية عن كل شيء، وأن الخطر الأكبر هنا يقع على الحزب فيما لو حدث شيء أكبر وهو الذي يؤكد دائماً أن السلاح غير موجه للداخل، ثم إنّه من غير المناسب أن تُكشف إدارة رئيس البرلمان المباشرة للحدث، كما أن العماد عون مرشح لرئاسة الجمهورية، ومن شأن ذلك أن يضر به.
ومع هذه الملاحظات، طلب إلى الرئيس إبلاغ السيد أنه في كل الأحوال، إن كان هناك إصرار على الاجتماع، فليكن عند السيد نصر الله من أجل أمنه الشخصي، وأي شيء يتم تقريره يلتزم هو فيه، وأنه لا يمانع أن يحصل لقاء ثنائي بين السيد وعون، يمثل فيه السيد الرئيس بري فيما يقرّر. باسيل ذكّر بخطأ التراجع عن احتلال السراي… وأراد السيطرة على الوزارات.
غداً حلقة ثانية

“);
googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); });
}

شاركها.
© 2025 جلوب تايم لاين. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version