Smiley face
حالة الطقس      أسواق عالمية

في شهر نوفمبر عام 1910، قرر الشاعر النمساوي الأصل راينر ماريا ريلكه مغادرة ميناء مرسيليا في فرنسا متجهًا إلى شمال إفريقيا ومصر في رحلة تمولها امرأة ثرية متزوجة من تاجر فراء بارز. كانت هذه الرحلة مهمة بالنسبة لحياته الروحية والفكرية، حيث رأى فيها فرصة لتوسيع حدود حلمه الخيالي. بالإضافة إلى ذلك، أرسلت زوجته له نسخة من ترجمة كتاب “ألف ليلة وليلة” من مصر، مما دفعه للانغماس في الأجواء الشرقية واستكشافها.

راينر ماريا ريلكه كان يعتقد أن رحلته إلى الشرق ستشكل علاجًا لنفسه المضطربة وستكون وسيلة للاقتراب من الجمال الفاتن للمجهول. بدأت رحلته في الجزائر ثم وصل إلى تونس، حيث شعر بأن البلاد تشبه بيئة “ألف ليلة وليلة” أكثر من الجزائر، واعتبرها حقيقية شرقية. استمتع بالأجواء والثقافة ووصفها بأنها ممتلئة بالحياة والبساطة، مشيراً إلى جمالها وتاريخها المليء بالقبور والمعابد.

ومع ذلك، لم ينجح راينر ماريا ريلكه في إيجاد الإلهام الشعري في رحلته إلى مصر وتونس والجزائر، بينما نجح في كتابة سلسلة قصائد عن حديقة حيوانات في باريس. هذا يظهر التناقض بين قدرته على إلهام شعري من أمور بسيطة مثل الحيوانات مقارنة بعدم قدرته على استيحاء الحضارة العربية والتاريخ والعمارة الإسلامية في رحلته إلى الشرق.

يتضح من الرسائل التي كتبها راينر ماريا ريلكه إلى زوجته وأصدقائه أنه كان متأثرا بأجواء الشرق وكان يرى فيها فرصة للهروب من واقعه المادي. ومع ذلك، بقي محاطًا بوعي غربي وإيمان مسيحي، ولم يستطع التقرب بعمق من عوالم الشرق التي زارها. يبدو أن راينر ماريا ريلكه عانى من عطالة إبداعية أثناء رحلته إلى الشرق، حيث لم يستطع تحويل تجربته إلى قصائد شعرية تعكس جمال وثقافة المنطقة.

بالنهاية، تظهر شخصية راينر ماريا ريلكه كمثال للصراع بين الثقافات والأديان والتجارب الشخصية. رغم فشله في إيجاد إلهام شعري في رحلته إلى الشرق، فإنها تعتبر تجربة مهمة شكلت جزءًا من رحلة حياته الروحية والفكرية. يظل راينر ماريا ريلكه شاعرًا متأثرًا بالحضارات المختلفة ومنحازًا لقيم وثقافات الغرب التي نشأ فيها.

شاركها.
© 2025 جلوب تايم لاين. جميع الحقوق محفوظة.