Summarize this content to 2000 words in 6 paragraphs in Arabic
مشوار النجوم الكوريين… من الولادة إلى الانتحار
آخرُ نجمٍ على لائحة المشاهير الذين عُثر عليهم قتلى داخل منازلهم في كوريا الجنوبية هو المغنّي وي سونغ. قبل أيام، وُجدت إبرة قرب جثّة الفنان الأربعينيّ، وهو عُرف بمعاناته من الإدمان للمخدّرات. لم يرزح وي سونغ تحت ثقل الممنوعات فحسب، بل كذلك تحت ضغط الإعلام والرأي العام اللذَين أمطراه بالنقد والتجريح، منذ اكتُشف تعاطيه مادة البروبوفول عام 2021.
وإذا كانت جرعةٌ زائدة هي التي تقف وراء وفاة النجم الكوريّ، فإنّ زملاءَ كثراً له سبقوه إلى الموت بداعي الإرهاق من متطلّبات المهنة والنجوميّة والمجتمع.
المغنّي وي سونغ الذي عُثرَ عليه متوفّى قبل أيام داخل شقّته (أ.ف.ب)
ظاهرة ذات وجه مظلم
خلال الأعوام الـ20 الأخيرة وفي ظاهرةٍ هي أشبَه بجائحة تجتاح قطاع الترفيه في كوريا الجنوبية، سُجّل انتحار عشرات الفنانين، معظمهم في العشرينات من العمر.
قبل أسابيع، وضعت الممثلة الشابة كيم ساي رون (24 عاماً) حداً لحياتها. هي الأخرى كانت قد تعرّضت لحملة تجريحٍ وانتقاداتٍ متواصلة منذ 2022، أي منذ ألقي القبض عليها وهي تقود سيارتها تحت تأثير الكحول متسببةً بحادثٍ وأضرار لعدد من المتاجر. ولم يتوقّف الأمر عند حدود الهجوم الإعلامي والإلكتروني، بل انسحب على عملها فاقتُطعت مشاهدها من مسلسل كان يُعرَض على «نتفليكس»، كما خسرت الكثير من عقودها ما أغرقها في البطالة والديون.
النجمة التلفزيونية الكورية كيم ساي رون انتحرت قبل أسابيع عن 24 عاماً (إنستغرام)
تحوّل الفن الكوري الجنوبي في السنوات القليلة الماضية إلى صناعةٍ ترفيهية تُدرّ الملايين على الاقتصاد الوطني، وظاهرة عالمية تجذب عشرات ملايين المعجبين. ينبهر هؤلاء بالاستعراضات الغنائية البرّاقة وبالمسلسلات المشغولة بجماليّةٍ عالية. لكنّ الجمهور لا يبصر الناحية المظلمة لهذا العالم المتلألئ.
فما الذي يدفع الفنانين الكوريين إلى إنهاء حياتهم واحداً تلو الآخر، وهُم بعدُ في عزّ الشباب والنجوميّة؟
المدرسة «المُعسكَر»
تحوّلت ثقافة الـK-Pop إلى خبزٍ يوميّ في كوريا الجنوبية، إلى درجة أنّ العائلات باتت تُرسل أبناءها إلى مدارس الفن الكوريّ بدل إرسالهم إلى المدارس التقليديّة.
غالباً ما يُستبدل دخول مدارس الـK – Pop بالدراسة التقليدية في كوريا الجنوبية (رويترز)
مراهقاً كان أم شاباً، أنثى أم ذكراً، ما إن يطأ الطالب مدرسةَ الـK-Pop حتى يصبح أسير برنامجٍ تدريبيّ صارم هو أشبَه بالخدمة العسكرية الإلزاميّة. بكامل رِضاهم، يخضع الطلّاب اليافعون لهذه التربية الفنية القاسية، في مسعىً منهم لإبهار وكالات إدارة أعمال النجوم في مرحلة لاحقة.
يمضون أكثر من 16 ساعة يومياً في التمرين على الرقص، والغناء، والتعامل مع الكاميرا. يُلقّنون ضرورة مواصلة التمرين والأداء، حتى وإن كانوا في حالة مرضٍ أو ألم. ولا يتبدّل الحال كثيراً بعد أن يصبحوا نجوماً، فهذا التدريب القاسي جزءٌ أساسيّ من حياة الفنانين الكوريين، لا سيّما المغنّين.
مدارس الـK-Pop أشبه بمعسكرات تدريب صارم (رويترز)
هاجس المثاليّة
يُدرّب نجوم الـK-Pop منذ الصغر على تقديم صورة مثاليّة عن أنفسهم. عليهم أن يلتزموا بحِمية غذائية قاسية، وبأسلوب تصرّف محدّد، كما يضطرّون للخضوع لعمليات تجميل. يضحّون بسنوات المراهقة والشباب من أجل متطلّبات سوق العمل. يضعهم هاجس المثاليّة والكمال هذا أمام ضغطٍ نفسيّ كبير ويجرّدهم من هويّتهم الحقيقية وعفويّتهم.
الحبّ ممنوع
تستدعي الإقامة في مدارس الـK-Pop ابتعاداً عن العائلة والأصدقاء. فإلى جانب تخلّيهم عن الدراسة الأكاديميّة الاعتياديّة، يتنازل المبتدئون ومثلُهم النجوم الذين سلكوا درب الشهرة عن العلاقات الإنسانية الطبيعية فهُم يُمنعون من الاختلاط بالناس. تصبح حياتهم أشبه بعزلة عن المجتمع، كما تُحظر عليهم إقامة علاقاتٍ عاطفيّة لئلّا يؤثّر ذلك سلباً على صورتهم في عيون المعجبين.
تُحظر على نجوم الـK-Pop إقامة علاقات عاطفية لئلّا يؤثّر ذلك على المعجبين (رويترز)
علاقة سامّة مع المعجبين
من متطلّبات النجوميّة في عالم الـK-Pop التواصل شخصياً مع المعجبين، وتمتين العلاقة بهم من خلال الردّ عليهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. يعوّض هذا من جهة عن العزلة التي يعيشها النجوم، كما يوسّع قواعدهم الجماهيريّة، وإن بشكلٍ افتراضيّ.
من المعروف أنه لا أحد ينافس الممثلين والمغنّين الكوريين من حيث أعداد المعجبين الذين يُلقّبون بـ«الجيوش». يصل بهم الإعجاب إلى حدّ الهوَس، غير أنّ السحر غالباً ما ينقلب على الساحر. فهؤلاء المعجبون مطلوبون ويفرضون آراءهم على النجوم، لا سيّما في كل ما يتعلّق بحياتهم الخاصة، من علاقاتهم العاطفية إلى هواياتهم. أما إن حصل ما لا يروق لهم، فقد يتحوّلون إلى جيشٍ عدوّ لا يتسامح مع مَن كان يوماً نجمهم المحبوب.
علاقة المعجبين بنجوم الـK-Pop تتراوح بين الهوَس والتحكّم (أ.ف.ب)
التجريح الإلكتروني
الجَلدُ الافتراضيّ. هذا ما يتعرّض له النجوم الكوريون إن قاموا بما لا يروق لمعجبيهم، أكان غناءً أم رقصاً أم تصرّفاتٍ شخصية. تتراوح مسبّبات الغضب ما بين أداءٍ غير موفّق لأغنية، وسلوكٍ سيّئ كتعاطي المخدّرات. وغالباً ما تكون الفنانات ضحايا التنمّر الإلكتروني.
ترتبط ثقافة الـK-Pop ارتباطاً وثيقاً بوسائل التواصل الاجتماعي، والتي تشكّل صلة الوصل بين المشاهير ومعجبيهم. لكن غالباً ما تتحوّل تلك الصفحات إلى منابر للتجريح والتنمّر، في استهدافٍ مباشر للفنانين. وليس مستغرباً أن يوجّه المعجبون رسائل كُرهٍ بعد أن يكونوا قد أمطروا النجوم بالحب والاهتمام.
انتحرت المغنية سولي (25 عاماً) بعد تعرّضها لحملة قاسية من التنمّر والتجريح (أ.ف.ب)
اعتزال مبكر
لا يكاد الفنان يصبح نجماً، حتى يداهمه العُمر. فمدّة الصلاحية في مجال الـK-Pop قصيرة جداً، ومَن هم في نهاية العشرينات من عمرهم يُعتَبَرون قدماء، وتستبدَل وجوه أصغر سناً بهم. يتسبّب ذلك في قلقٍ كبير للنجوم الذين يأفلون بسرعة قياسية، فيبدأون في البحث عن أساليب جديدة للاستمرار في المجال، لكنّ المسعى غالباً ما يبوء بالفشل.
يدركون متأخّرين أنّ شركات الإنتاج ووكالات إدارة الأعمال تتعامل معهم كسِلعٍ تدرّ الأموال. يستفيدون من نجوميّتهم قدر المستطاع وفي أقصر وقتٍ ممكن.
ما إن يصل النجوم إلى نهاية العشرينات من العمر حتى تستبدل وجوه جديدة بهم (رويترز)
الصحة النفسية… وصمة عار
ما زال موضوع الصحة النفسية من المحرّمات في كوريا الجنوبية لا سيّما بالنسبة إلى المشاهير، إذ يُنظر إلى المعاناة النفسية على أنها ضعف. ورغم كل ما يواجهون، يفضّل نجوم الـK-Pop السكوت عن آلامهم بدل البوح بها، أو طلب المساعدة والعلاج، لئلّا يعيَّروا من قِبَل الرأي العام ويخسروا جماهيريّتهم.
عام 2019 انتحرت الممثلة والمغنية الكورية غو هارا عن 28 سنة (أ.ب)
في كوريا الجنوبية، ليست الانتحارات حكراً على الفنانين. وفق أرقام عام 2024، سُجّل 14439 انتحاراً بمعدّل 40 حالة يوميّة. يعود جزءٌ كبير من تلك الظاهرة إلى التحديات الأكاديمية التي يواجهها الجيل الصاعد، والنظام الدراسيّ الصارم والقائم على المنافسة الشديدة.
أما في مجال صناعة الترفيه، فقد بدأت الأصوات ترتفع تدريجياً للمطالبة بتكريس مساحة للصحة النفسية. بادرت بعض الوكالات مؤخراً إلى تأمين جلسات علاجية دَوريّة لفنّانيها، لعلّ سبحةَ انتحارات الـK-Pop تنقطع.