لم يكن التدخل العسكري الإيراني الروسي في سوريا هو العامل الوحيد الذي أدى إلى انقلاب الموازين لصالح نظام بشار الأسد، بل كانت هناك تمهيدات سابقة تتمثل في اتفاقيات الهدن والمصالحات. بدأت هذه الاتفاقيات في مدينة قدسيا والهامة بريف دمشق عام 2013 عن طريق لجنة المصالحة الوطنية المحلية، وتسارعت بعدها اتفاقيات شبيهة في مناطق مختلفة بشكل ممتد وممنهج على المستوى المحلي.
هذه الاتفاقيات والمصالحات أدت في النهاية إلى استعادة النظام سيطرته العسكرية والسياسية وإعادة رسم خريطة نفوذه. تمهد النظام لهذا المسار منذ سنوات، وأظهرت تجارب المصالحات والهدن في سوريا أهمية استراتيجية ودلالاتها وتأثيراتها.
ظهرت المصالحات بسبب تغير موازنة القوى بين النظام والمعارضة مع الوقت، وكانت وسيلة لحرب استنزاف. مع تحول المسار السياسي من جنيف إلى أستانة ومن الانتقال السياسي إلى وقف إطلاق النار، تم تعزيز سيطرة النظام على النقاط الاستراتيجية التي استعادها بالقوة.
بدأت المصالحات في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام وتوجد بها وسطاء محليون، وتضمنت بنودا تبدأ بوقف إطلاق النار ثم تمر بإخراج المقاتلين أو السكان وتتنوع وفق متطلبات كل منطقة. كما شهدت بعض المناطق تدخل أطراف دولية كضمانة للاتفاقيات.
تميزت المصالحات بكونها “سلاما مجهضا” منذ البداية، حيث استطاع النظام استعادة سيطرته دون الالتزام الكامل بالبنود المتفق عليها. وقد رسمت هذه المصالحات بنودها بناء على قوة المعارك وصمود المقاومة، وظهرت بثلاثة مستويات من اللاعبين: المحليين والوطنيين والخارجيين. كما تمت المراحل المختلفة للمصالحات بشكل ممتد ومنظم على أرض الواقع.